آيات وأحاديث: .
تعرف هذه المسألة بمسألة إهداء ثواب العبادة للموتى، وقد اختلفت فيها آراء
العلماء. ومنشأ الاختلاف أنه وجد في القرآن الكريم آيات تبين سنة الله في
الثواب والعقاب، وفي تبديل السيئات بالحسنات، ووجدت أحاديث صحيحة صريحة في
الوالدين ينتفعان بصدقة ولدهما، أو صومه، أو حجه عنهما.
فمن الآيات قوله تعالى:
...
لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
...
، وقوله:
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا
*
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا
، وقوله:
إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ... ، وقوله:
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى
*
وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى
*
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى *
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى
*
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى *
أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى *
وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى
*
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى *
ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى
.
فهذه الآيات ونحوها ظاهرة فى أن الإنسان لا ينتفع إلا بسعيه وعمله، الذي يزكي نفسه بالنية الطيبة والإخلاص لله.
أما الأحاديث التي وردت في الموضوع، فكلها تدور حول الجواب عن سؤال واحد.
هو: هل ينتفع أبي وأمي إذا صمت، أو تصدقت، أو حججت عنهما؟ وكان الجواب:
نعم ينفعه ذلك.
اختلاف العلماء: .
وأمام هذه الآيات وتلك الأحاديث اختلفت آراء العلماء: .
فرأى فريق: أن الآيات مقدمة في العمل على الأحاديث، والأحاديث ليس لها قوة
الحكم على الآيات، وبذلك قرروا أن الإنسان لا ينتفع بعمل غيره أيًا كان
ذلك العمل، وكيفما كان ذلك الغير.
ورأى فريق آخر: أن الأحاديث صريحة في انتفاع الوالدين بصدقة ولدهما، أو حجه، أو صومه عنهما، ثم قالوا: لا فرق بين الولد وغيره.
وبذلك قرروا أن الإنسان ينتفع بعد موته بعمل غيره متى أهدى ثوابه إليه،
وإن لم يكن من ولده، وقالوا: إن الثواب ملك للعامل، فله أن يتبرع به،
ويهديه إلى أخيه المسلم.
ثم خرج هؤلاء الآيات تخريجًا، أوهن
من موقفهم أمام المانعين. وكذلك كان موقفهم في قياس غير الولد- الذي لم
يرد به نص- على الولد، الذي ورد به نص مع وجود الفارق بينهما.
أما الدعاء فهو عبادة مستقلة، ثوابها للداعي فقط، والمدعو له إنما ينتفع
بالاستجابة إذا حصلت، والاستجابة إذا حصلت ليست أثرًا لإهداء الداعي ثواب
دعائه للميت، وإنما هي شأن خاص بالله للأحياء والأموات.
أما
القول بملكية الثواب للعامل، فواضح أنه ليس ملكًا بالمعنى المتعارف في
متاع الدنيا لصاحبه نقله وتحويله، فهو توجيه فاسد. بهذا يتبين أن إطلاق
القول بجواز إهداء ثواب العمل- أيًا كان من العامل وكيفما كان- لا تنهض له
حجة، ولا يستقيم له دليل.
ولد الإنسان من سعيه: .
والرأي الذي أراه هو: أن الآيات محكمة في معناها، وأنها من شرع الله العام
الذي لا يختص بقوم دون قوم، وأن الأحاديث الصحيحة التي أشرنا إليها خاصة
بعمل الأبناء يهدون ثوابه للآباء، وقد صح في الحديث أن ولد الإنسان من سعيه، وعمله من عمله
، وبذلك كان انتفاع الوالدين بعمل ولدهما، وإهداء ثوابه إليهما ما تتناوله الآيات.
أما ما جرت به العادات من قراءة الأجانب القرآن، وإهداء ثوابها للأموات،
والاستئجار على القراءة والحج وإسقاط الصلاة والصوم، فكل ذلك ليس له مستند
شرعى سليم.
وهو فوق ذلك يقوم على النيابة في العبادات، التي
لم تشرع إلا لتهذيب النفوس، وتبديل سيئاتها حسنات. وهذا لا يمكن إلا عن
طريق العمل الشخصي.
كيف وقد صرح الجميع بأن ما اعتاده الناس
من ذلك شيء حدث بعد عهد السلف، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه عمل، وأهدى لغير
الوالدين، مع ظهور رغبتهم في عمل الخير، ومحبته لإخوانهم الأحياء
والأموات؟ .
والجدير بالمسلم أن يقف في عبادته، وفي شؤون
الثواب، ومحو السيئات عند الحد الذي ورد، فبحسنات الإنسان تذهب سيئات
يمحوها، وبتقواه تغفر ذنوبه، ولا شأن للإنسان في الثواب يحول، ولا في
السيئات يمحها.