يستفاد من المدارسة، وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده وينفعه؛
لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- دارس جبرائيل للاستفادة ، لأن جبرائيل
هو الذي يأتي من عند الله - جل وعلا- وهو السفير بين الله والرسل،
فجبرائيل لا بد أن يفيد النبي -صلى الله عليه وسلم- أشياء من جهة الله -عز
وجل- من جهة إقامة حروف القرآن، ومن جهة معانيه، التي أرادها الله، فإذا
دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن، ومن يعينه على إقامة ألفاظه، فهذا
مطلوب، كما دارس النبي -صلى الله عليه وسلم- جبرائيل.
وليس المقصود أن جبرائيل أفضل من النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن جبرائيل
هو الرسول الذي أتى من عند الله؛ ليبلغ الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما
أمر الله به من جهة القرآن، ومن جهة ألفاظه ومن جهة معانيه، فالرسول -عليه
الصلاة والسلام- يستفيد من جبرائيل من هذه الحيثية، لا أن جبرائيل أفضل
منه -عليه الصلاة والسلام- بل هو أفضل البشر، وأفضل من الملائكة -عليه
الصلاة والسلام- ، لكن المدارسة فيها خير كثير للنبي -صلى الله عليه وسلم-
وللأمة؛ لأنها مدارسة لما يأتي به من عند الله؛ وليستفيد مما يأتي به من
عند الله عز وجل.
وفيه فائدة أخرى: وهي أن المدارسة في الليل أفضل من النهار؛ لأن هذه
المدارسة كانت في الليل، ومعلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره،
والاستفادة أكثر من المدارسة نهارًا.
وفيه أيضًا من الفوائد: شرعية المدارسة، وأنها عمل صالح حتى ولو في غير
رمضان؛ لأن فيه فائدة لكل منهما، ولو كانوا أكثر من اثنين، فلا بأس يستفيد
كل منهم من أخيه ويشجعه على القراءة وينشطه، فقد يكون لا ينشط إذا جلس
وحده، لكن إذا كان معه زميل له يدارسه، أو زملاء كان ذلك أشجع له وأنشط،
مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة والمطالعة، فيما قد يشكل
عليهم، كل ذلك فيه خير كثير.
ويمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن -كاملا- من الإمام على الجماعة في
رمضان نوع من هذه المدارسة؛ لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن؛ ولهذا
كان الإمام أحمد
-رحمه الله- يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن، وهذا من جنس عمل السلف في
محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجبًا لأن يعجل، ولا يتأنى في
قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة، بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة
الختمة.