مفهوم الحرية عند أدعياء تحرير المرأة
إن التصرف المتطرف الخاطئ للحرية ، الذي غذاه الحقد الأسود والثورة الجامحة على النظام الاجتماعي الفاسد الذي كان يحكم المجتمع الأوربي ، نبع منه مفهوم الحرية الشخصية ، عند المنادين بالحرية والتحرر في بلاد الإسلام ، فيتصورونها – كما هي عند الغربيين – بأنها الانطلاق بلا قيد ، والتحرر من كل ضابط ، والتخلص من كل رقابة ، حتى ولو كانت تلك الرقابة نابعة من ذاته هو ، من ضميره ، فلتحطم وليحطم معها الضمير إن احتاج الأمر ، حتى لا يقف شيء في وجه استمتاعه بالحياة ، وحتى لا تفسد عليه نشوة اللذة ، ومعنى هذا ترك الإنسان وشأنه يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء ، وهكذا بدون قيود ولا ضوابط ، ولا رقابة ، وعلى المجتمع أن يسّلم بذلك الحق ، وعلى الحكومة أن تحافظ على تلك الحرية وتحميها.
هذا هو مفهوم الحرية عندهم ، صورة طبق الأصل من مفهوم الحرية في الغرب ، فلا دين يحكم النفوس ، ويكبح جماحها ، ولا أخلاق تهذب طباعها ، وتوقظ مشاعرها ، وتثير فيها روح النخوة والغيرة والإباء ، ولا مثل ، ولا فضائل ، تقاس على أساسها الأعمال خيرها وشرها ، ولا حياء يمنع ارتكاب الشطط ، والمجاهرة بالمنكر لا ينبغي أن يكون شيء من ذلك ، لأنه من الماضي ، وكل ما هو من الماضي فهو عقبة في طريق التصور والتقدم فلينبذ وليحطم.
وهكذا قال دعاة الحرية في الغرب ، وهكذا يقول دعاتها في الشرق ، وهم إن لم يستطيعوا التصريح بذلك ، إلا أن مفهوم كلمة الحرية كما يتصورونه ينبئ عن ذلك ، كما أن رائحته تفوح مما يطلقونه من شعارات باسم الحرية ، بل إن التطبيق الجاري الآن في البلاد الإسلامية لمفهوم الحرية سيوصل حتماً إلى ذلك إذا استمر سائراً في ذلك الطريق.
ولما كانت المرأة عاملاً أساسياً وعنصراً هاماً في تحقيق مفهوم الحرية هذا ، فقد وجهوا جل اهتمامهم إليها ، وعملوا على تكييفها للدور الذي يريدون أن تقوم به.
فأخرجوها من البيت باسم الحرية والتحرر .. وأقحموها في مجالات العمل المختلفة البعيدة عن اختصاصها والمتنافرة مع خصائصها ، فقضوا بذلك على أنوثتها ، وعلى الأسرة والبيت باسم الحرية والتحرر.
خلعوا عنها حجابها ، وكشفوا عن موطن الزينة والفتنة منها ، ليشبعوا بذلك نهمهم الجنسي باسم الحرية والتحرر.
انتزعوها من حمى حاميها وراعيها وحافظها (الرجل) بتحريضهم لها على التمرد على قوامته ليسهل لهم غوايتها وتحقيق مآربهم منها.
تركوها تختلط بل أرغموها على الاختلاط بالرجال ، والخلوة بهم ، فقضوا بذلك على عفتها وكرامتها وحيائها ، باسم الحرية والتحرر.
وقضوا على رسالتها الأساسية في الوجود ، وهي الزوجية والأمومة فجنوا بذلك على الإنسانية ، والحضارة والمدنية ، فعلوا ذلك باسم الحرية.
أخذوا منها كل شيء باسم الحرية ولم يعطوها إلا أقل القليل.
فهل هذه حرية حقاً؟ ، هل الحرية الانطلاق بل قيود ولا ضوابط؟ ، هل الحرية الخروج على الدين والمثل والفضائل؟
هل تكون الحياة بهذا المفهوم ، حياة إنسانية راقية ، تتفق مع مركز الإنسان في هذا الوجود ، ومع رسالته التي أعده الله لها ، وهي عمارة الكون ، والخلافة في الأرض.
إن الحرية بمفهومها الصحيح براء من ذلك ، وإن الحياة الإنسانية الراقية لا تقبل ذلك المفهوم ، بل إن الحرية الحقة هي التحرر من كل ما سموه حرية.
شبهات وردود
الأخ الحبيب الأستاذ أبـ مريم ـو