/b>قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ))
وساعة نسمع ((سبحانك)) فلنعرف أنها إجمال التنزيه لله ، وهو تنزيه أن يشابهه خلق من خلق الله ، فلله وجود ، ولإنسان وجود
ولكن إياك أيها الإنسان أن تقول : إن وجودي كوجود الله ، لأن وجود الله ذاتي ، ووجودك غير ذاتي وكل ما فيك موهوب لك من الله ، لذلك فلا غناك مثل غنى الله ، بل غناه ذاتي وغناك موهوب منه سبحانه ، ولا أي صفة من صفاتك كصفات الله ، فله سبحانه مطلق القدرة والقوة ، وعليك أن تأخذ كل شيء يتعلق بالله فى نطاق ((سبحانه)) ((وليس كمثله شيء)).
وكذلك يكون تنزيه عيسى لربه وخالقه : (( سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ))
فعيسى ابن مريم يعلم أنه رسول مصطفى من الله .
ويرد عيسى على ذلك بقضية متفق عليها : ((إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ))
لأن الكل متفق على أن الله يعلم كل ما يبدر من العباد من سلوك وأقوال وأفعال (( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور )) .
والكل يعلم ارتفاع الحق وتنزهه عن أن يوجد له معلوم جديد لم يعلمه من قبل . والكل يعلم – كذلك – أن الله يعلم خفايا الصدور
لذلك يقول عيسى : ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ))
ويقرر أن الله الحق العليم بكل شيء يعلم أن ذلك لم يخطر له على البال ، وهذه هي العلة في إيراد ثلاث صور في هذه الآية .
الصورة الأولى هي قوله سبحانه وتعالى : ((سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ))
الصورة الثانية هي قول عيسى : ((إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ))
الصورة الثالثة : ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ )) وقد يسأل سائل : وماذا يكون في النفس ؟
فالذي يكون في النفس هو ما أسِـرُّ به ولم يظهر ، لأن النفس تُطلق مرة ويراد بها الذات التي تضم الروح والجسد معاً ، وعندما تُطلق على ذات الله فنحن ننزهها عن أن تكون إبغاضا ، ولكنها ذاته المأخوذة في نطاق التنزيه . والمثال هو قول الحق : (( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة ))
وهكذا يكون فهمنا لمجيء كلمة (( نفس )) منسوبة إلى الله ، إنه تنزه أن يكون مثلنا.
فلله وجه ولنا وجه ، ولكن وجه الله نفهمه في نطاق (( ليس كمثله شيء ))
وكذلك يد الله وكذلك كل صفات الله .
ونعلم أن لله أسماء أعلمنا ببعضها ، وعَلَّم بعضاً من خلقه بعضها ، واستأثر ببعضها لذاته .
وهناك بعض من الصفات تأتي لمجرد المشاكلة ، كقول الحق :
(( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ))
ولا نقول أبداً : إن الله مخادع ، ولكن الصفة هنا جاءت للمشاكلة لذكرها في مقابلة .. يخادعون الله .. ولذلك لا نأخذ منها اسماً لله ، بل إنه جاء للرد على ما يبدر من أعداء الله .
ويختم عيسى ابن مريم قوله : (( إنك أنت علام الغيوب )) و (( علاّم )) هي مبالغة في ذات الحدث ، ومبالغة في تكرير الحدث ، فهو سبحانه يعلم غيب كل واحد من خلقه وغيب كل ما في الكون ، وهكذا جاء القرآن برد عيسى عليه السلام وهو رد يستوعب كل مجالات الإنكار على الذين قالوا مثل هذا القول .
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من خواطر / الشيخ محمد متولي الشعراوي
__________________
شبكة بن مريم الاسلامية :منتدى الرد على الأباطيل