يزعم أعداء الإسلام الجهلة من يهود ونصارى أن القرآن الكريم يحتوى على خطأ علمي في قول الله سبحانه وتعالى حاكياً عن ذو القرنين (( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا )) ويقولون هذا مخالف للعلم الثابت ذلك لأن الشمس لا تغرب في عين ...
الرد على الشبهة :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
جاءت قصة ذي القرنين في سورة الكهف من القرآن الكريم ، ولم يحدثنا القرآن الكريم عن ذي القرنين من هو ؟ ولا عن تفاصيل قصته ، ذلك لأن القصد من القصص القرآني، سواء في سورة الكهف أم في غيرها، ليس إعطاء تاريخ وحوادث تاريخية، وإنما القصد هو العبرة، كما قال تعالى: ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ).
هنا ذو القرنين، قصته فيها عبرة : ملك صالح، مكَّنه الله في الأرض، وآتاه من كل شيء سببًا، ومع هذا لم يطغه الملك. بلغ المغرب، وبلغ المشرق، فتح الفتوح، ودان له الناس، ودانت له البلاد والعباد، ومع هذا لم ينحرف عن العدل، بل ظل مقيمًا لحدود الله، كما قال لهؤلاء القوم: ( أما من ظلم فسوف نعذبه، ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابًا نكرًا . وأما من آمن وعمل صالحًا فله جزاء الحسنى ). (الكهف: 87).
مع التنبيه على أن ذي القرنين المذكور في القرآن ليس هو الاسكندر المقدوني اليوناني الذي بنى الإسكندرية ، لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرطاطاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير وفساد عريض طويل كثير، فإن الأول كان عبداً مؤمناً صالحا وملكاً عادلاً ... ، وأما الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا وقد كان بين زمانهما أزيد من ألفي سنة فأين هذا من هذا لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور .
قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (1/493) :
(عن قتادة قال : اسكندر هو ذو القرنين وأبوه أول القياصرة وكان من ولد سام بن نوح عليه السلام .فأما ذو القرنين الثاني فهو اسكندر بن فيلبس ... بن رومي بن الأصفر بن يقز بن العيص بن إسحق بن إبراهيم الخليل كذا نسبه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ، المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم وكان متأخرا عن الأول بدهر طويل ، كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرطاطاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم.
أما من هم هؤلاء القوم الذي وصل لهم ذو القرنين ، فالقرآن لم يعرفنا عنهم شيئًا، ولو كان في معرفتهم فائدة دينية أو دنيوية، لعرفنا ولهدانا إلى ذلك .
كذلك، أين غربت الشمس ؟ لم يعرفنا القرآن، وكل ما نعلمه أن ذا القرنين اتجه إلى جهة الغرب، حتى وصل إلى أقصى مكان في الغرب، وهناك وجد الشمس في رأي العين كأنما تغرب في عين حَمِئة . والحمأ هو الطين المتغير . فكأنما وجد الشمس تسقط في تلك العين الحمئة .. ولو وقف أحدنا عند الغروب على شاطئ البحر، لوجد الشمس كأنما تسقط في البحر أو تغرب فيه، مع أن الحقيقة غير ذلك . فهي تغرب عن قوم لتشرق عند آخرين.
فالمقصود إذن في الآية ( وجدها تغرب في عين حمئة ) أي فيما يرى الرائي، وينظر الناظر.
ولعل ذا القرنين وصل إلى مكان يتصل فيه النهر بالبحر عند الفيضان كالنيل مثلاً حيث يكون ماؤه معكرًا يحمل الطين، فإذا غربت الشمس تبدو للناظر كأنها تغرب في عين حمئة .. أو لعلها بركة فيها طين .. لم يحددها القرآن بالضبط، وإنما المقصود أنه ذهب إلى أقصى المغرب . كما ذهب إلى أقصى المشرق . وذهب إلى قوم يأجوج ومأجوج، ومع كل هذا ظل على عدله، وعلى إيمانه بربه، واعترافه بفضل الله عليه، في كل ما يفعله، أقام السد العظيم من زبر الحديد، وغيره، ثم قال: (هذا رحمة من ربي، فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقًا ..). (الكهف: 98).
هذا هو المقصود، وتلك هي العبرة ... ملك صالح، مكن له في الأرض ومع هذا لم يطغ ولم يتجبر ولم ينحرف.
أما التفصيلات، فلم يعن القرآن بها، كما أن السنة لم تبين لنا شيئًا من تلك التفصيلات كالزمان، والمكان، والأقوام .. وليس في ذلك فائدة مطلوبة، ولو كان فيها الفائدة لذكرها القرآن الكريم.
وإنه لجدير بنا أن نقف عند الذي جاء به القرآن، والذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ الدكتور : يوسف القرضاوي بتصرف ]
وهذا رد آخر من الأزهر :
فى حكاية القرآن الكريم لنبأ " ذو القرنين " حديث عن أنه إبان رحلته: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قومًا.. ) (1).
والعين الحمئة ، هى عين الماء ذات الحمأ ، أى ذات الطين الأسود المنتن.
ولما كان العلم الثابت قد قطعت حقائقه بأن الأرض كروية ، وأنها تدور حول نفسها وحول الشمس ، فإن غروب الشمس ليس اختفاء فى عين أو غير عين ، حمئة أو غير حمئة.. والسؤال: هل هناك تعارض بين حقائق هذا العلم الثابت وبين النص القرآنى ؟.
ليس هناك أدنى تعارض ـ ولا حتى شبهة تعارض ـ بين النص القرآنى وبين الحقائق العلمية.. ذلك أن حديث القرآن هنا هو عن الرؤية البصرية للقوم الذين ذهب إليهم ذو القرنين ، فمنتهى أفق بصرهم قد جعلهم يرون اختفاء الشمس ـ غروبها ـ فى هذه البحيرة ـ العين الحمئة ـ.. وذلك مثل من يجلس منا على شاطئ البحر عند غروب الشمس ، فإن أفق بصره يجعله يرى قرص الشمس يغوص ـ رويدًا رويدًا ـ فى قلب ماء البحر.
فالحكاية هنا عما يحسبه الرائى غروبًا فى العين الحمئة ، أو فى البحر المحيط.. وليست الحكاية عن إخبار القرآن بالحقيقة العلمية الخاصة بدوران الأرض حول الشمس ، وعن ماذا يعنيه العلم فى مسألة الغروب.
وقد نقل القفال ، أبو بكر الشاشى محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر [429ـ507هـ /1037ـ1114م] عن بعض العلماء تفسيرًا لهذه الرؤية ، متسقًا مع الحقيقة العلمية ، فقال: " ليس المراد أنه [ أى ذو القرنين ] انتهى إلى الشمس مشرقًا ومغربًا حتى وصل إلى جِرْمها ومسَّها.. فهى أعظم من أن تدخل فى عين من عيون الأرض ، بل هى أكبر من الأرض أضعافًا مضاعفة. وإنما المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة [ أى البقاع المعمورة والمأهولة ] من جهة المغرب ومن جهة المشرق ، فوجدها فى رأى العين تغرب فى عين حمئة ، كما أنا نشاهدها فى الأرض الملساء كأنها تدخل فى الأرض ، ولهذا قال: (وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سِترا ) (2). ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسّهم وتلاصقهم ، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم.. " (3).
فالوصف هو لرؤية العين ، وثقافة الرائى.. وليس للحقيقة العلمية الخاصة بالشمس فى علاقتها بالأرض ودورانها ، وحقيقة المعنى العلمى للشروق والغروب.
فلا تناقض بين النص القرآنى وبين الثابت من حقائق العلوم..
والآن لنرى ماذا يقول إنجيل النصارى :
جاء في سفر رؤيا يوحنا [ 12 : 1 ] ما يلي :
(( وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى راسها اكليل من اثني عشر كوكبا !!!!
ونحن نسأل النصارى كيف تكون المرأة متسربله بالشمس , والشمس أكبر من الأرض مليوناً وثلاثين ألف مرة ؟؟؟
وإليك عزيزي المتصح رداً آخر :
1- إذا كنت متجهاً غرباً وأمامك جبل فإنك سوف تجد الشمس تغرب خلف الجبل .. .. طبعا لا يفهم أحد من ذلك أن الشمس تختبئ حقيقة خلف الجبل .......وإن كان الذي أمامك بحيرة فستجد الشمس تغرب في البحيرة ..وذو القرنين وصل الى العين الحمئة وقت غروب الشمس فوجدها تغرب في تلك العين ...... وعندما نقول وجدها تغرب خلف الجبل أو وجدها تغرب في العين فذلك الأمر بنسبة له ...والأية ليست مطلقة المعنى بل مقيدة بشخص ذو القرنين ....
ومع أن هذا الجواب كافى لكل عاقل ولكن دعونا ننظر إلى سياق القصة
2- سياق قصة ذو القرنين ....
.....حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا
وجدها تطلع على قوم!! فهل يفهم أحد من ذلك أنها تطلع على ظهورهم أو أنها ملامسة للقوم لأنه الله يقول .. وجدها تطلع على القوم ... الواضح أنها بنسبة للذو القرنين كانت تطلع على أولئك القوم ... مرة أخرى الآية مقيدة بذو القرنين وما ينطبق على هذه الآية ينطبق على التى قبلها ....
3- ما هو المقصود بمغرب الشمس ؟ هل هو مكان أم زمان ؟
من الواضح أن مغرب الشمس هنا يقصد بها الوقت واللحظة التى تغرب فيها الشمس وليس من الضروري أن يكون المقصود هو أقصى ما وصل إليه ذو القرنين جهة الغرب ..... والدليل على ذلك يقول النبي في حديث صحيح بما معناه ( ما بقي من هذه الدنيا كما بين العصر إلى مغربان الشمس ) فمغرب الشمس و جمعها مغربان الشمس ليست المكان بل هو الوقت الذي تغرب فيه الشمس (ويأكد ذلك معجم لسان العرب) ... ... فذو القرنين وصل الى العين وقت الغروب .فوجد الشمس تغرب في تلك العين .. ثم و صل في ما بعد إلى قوم آخرين وقت الشروق ...
4- غروب الشمس هل هو دخولها في الأرض أم إتجهها غرباً ؟
في لغة العرب غربت الشمس وغربت القافلة وغرب السفينة تأتى بمعنى واحد وهو إتجهة غربا ً فعندما نقول غرب طير في البحيرة وغربت الطائرة في المحيط وغربت السفينة في البحر وغربت الشمس في البحيرة يعنى إتجهت غربا ( بالنسبة للشخص الذي ينظر إليها ) .ولا يعنى أنها دخلت في البحيرة .... .. فعندما نقول غربت السفينة في المحيط لا يعنى ذلك أنها غرقت في داخل المحيط ... وعندما نقول غربت الطائرة في المحيط لا يعنى ذلك أنها سقطت في المحيط وعندما نقول غربت الشمس في البحيرة لا يعنى ذلك أنها دخلت داخل البحيرة فكلمة الغروب لا تدل على ذلك ... بعكس كلمة sunset الإنجليزية والتى تعنى حرفياً الشمس جلست ... ربما ظن قدماء الإنجليز أن الشمس تجلس في بحر الظلمات ...
5- بالعقل !! ( إن كان للنصارى عقل )
ذو القرنين يتحدث مع سكان تلك البحيرة فالو كان القرآن يقصد أن الشمس تدخل في العين حقيقة فهل سيذكر قوم حول الشمس الساخنة ويعشون حياة طبيعية ...
6- أليس عندما وصل ذو القرنين إلى مشرق الشمس يفترض به (على سياق فهمكم السقيم) أن يجد الشمس تشرق في حفرة أو بحيرة ساخة بدلا من أن يجدها تشرق على قوم . فلماذا قال أنها شرقت على قوم ولم يقل شرقت من عين حمئة ..
7- القرآن يذكر أن كل شيء في فلك يسبح ( الشمس والقمر واليل والنهار (وكل في فلك يسبحون ) وهذا يدل على أن كل شيء بما في ذلك النجوم والشمس والقمر والليل والنهار في فلك يسبحون وإذا كانت الشمس تدور في فلك خاص بها فهذا يعنى أنها لا تدخل في الأرض .... بل هي تدور في فلكها الخاص بها . كما تدور بقية الأشياء ....
8- رب المشارق والمغارب
القرآن يذكر في عدة آيات كريمة (مغارب الشمس ومشارقها ) ( ورب المشرقين ورب المغربين (ورب المشارق والمغارب) وهذا هو الإعجاز فقد ألغى فكرة الغروب والشروق الموحد لجميع سكان المعمورة فقد تشرق في بلد ولا كن لا يعنى أنها شرقت في جميع البلدان ... ففي الماضي كان الناس يعتقدون أن الأرض مسطحة وأن الشروق هو شروق واحد لجميع البشر والغروب هو غروب واحد لجميع البشر بينما يثبت القرآن ان هناك مشارق كثيرة ومغارب كثيرة ......
والحمد لله .....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم
صلاح الدين
-----------------------------------
( 1 ) سروة الكهف 86
( 2 ) الكهف 90
( 3 ) القرطبي [ الجامع لأحكام القرآن ]
______________________________________
يقول الاستاذ أحمد الشايب وكيل كلية دار العلوم في موضوع له حول القصص في القرآن :
رأيت من الخير أن أشير في إيجاز شديد إلى بعض الأنواع الأدبية التي اشتمل عليها القرآن، ومكان القصص منها حتى لا يختلط الأمر فيها عند القراءة أو الدرس.
من هذه الأنواع الأدبية ـ أو الفنون الأدبية كما قد تسمى ـ التقرير، والتصوير، والأمثال ـ أو التمثيل ـ والجدل، ومنها القصص، وهي وإن كانت مختلفة الأساليب بحكم طبيعتها وأهدافها، فإنها تنتهي جميعاً إلى غاية واحدة هي تحقيق رسالة الإسلام التي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام مؤيدة بهذا البيان المعجز في هذا الكتاب المبين.
فالتقرير هو أسلوب التشريع الذي يورد الأحكام المتصلة بالعبادات، ونظم المعاملات، والأحوال المدنية والاجتماعية مما تعبدنا به الله سبحانه وتعالى، وحفلت به كتب الفقه الإسلامي (( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين )) وقوله : (( يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه )) ، وهذا الباب أشبعه الباحثون تأصيلا وتشقيقا مما لا مجال له هنا.
وأما القصص فهو هذا النوع أو الفن الأدبي الذي يسوق حياة الأنبياء والأمم السابقة وما يتصل بها للعظة وتثبيت فؤاد الرسول، والقرآن الكريم ـ كما يلي ـ يسوق أنباءه صادقة كما هي في الواقع التاريخي، وإن لم يلتزم هذه المعالم الشكلية لعلم التاريخ والقصة الحديثة، وسنرى أن طبيعة القصص هنا ومراميه تنفي عنه ما يرميه به المبشرون وأضرابهم من أنه يخرج على التاريخ، ويزيد ويبتكر ويخترع في الأخبار، أو يدلس ويفتري الكذب ويسوقه على أنه التاريخ... وكل هذا سترد عليك هنا شواهده ومناقشته.
2 ـ وأما التصوير فهو الأسلوب البياني أو البلاغي القائم على التشبيه والمجاز والاستعارة والمبالغة ونحوها، وهذا النوع لا يشترط فيه أن تكون دلالته حرفية أو يكون له مرجع واقعي حسي في جميع عناصره، لأن الغرض منه المبالغة، وقوة التأثير، والاعتماد على ما ألف العرب مما يبعث فيهم الانفعال، وإدراك المراد في قوة وجمال كقوله تعالى في شأن المرابين: (( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس )) ، فإذا كان المخاطبون لم يروا الشيطان فإن صورته الخيالية في أذهانهم هي أنه يصيب الناس بالخبل وفساد النفس والجسم، فقام التشبيه في الآية الكريمة على هذا الأصل التصوري كما يتوهمه العرب، وهذا التصوير يفيد في تقوية الفكرة وإيضاحها من وجه، ولكنه من وجه آخر لا يعد كذبا، ولا يتخذ مقياسا يقاس به وجوب توافر عناصر التشبيه كلها بشكل حسي بحيث تراه العين، ويتعامل معه الناس، ذلك الوجود المادي الذي تلتمسه في التقرير.
ومن ذلك قوله تعالى في شجرة الزقوم:(( طلعها كأنه رؤوس الشياطين )) ، حيث صور ثمر هذه الشجرة برؤوس الشياطين تقبيحا لها، اعتماداً على تخيل المخاطبين.
ومن قريب ذلك قوله تعالى في قصة ذي القرنين : ((حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة )) ، إذ صور مغيب الشمس بالعين الحمئة نزولاً على ما يتراءى لعين الناظر عند غروب الشمس، وبذلك يندفع ما يتشدق به تلاميذ الجغرافيا حين ينكرون هذه الصورة، ويقيسونها بمقياس الفكرة أو الحقيقة العلمية، ونحو ذلك مما لا يتصل بأصل الخبر وجوهر معناه، فلا يصح أن يقال فيه إنه يخالف الواقع، لا يقال، ذلك، لأن الأسلوب يجاوز منطقة الفكرة إلى مجال الخيال، وجمال التصوير، وحسن التعبير، ومن هنا نفرق بين أسلوبي التقرير والتصوير.
وقريب من ذلك أيضا ما يرد في العبارات الأدبية من ذكر آلهة الخير والشر عند قدماء اليونان، أو أصنام العرب، أو الأطلال والدمن عند الأدباء المحدثين، فليس شئ من ذلك داخلا في عقائد الكتاب والشعراء المتأخرين أو المعاصرين، وإنما هي صور ـ أكلشيهات ـ ترمز إلى معان باقية، أو هي تعبير عن معان جديدة بصور قديمة.
ولعلك لاحظت أننا نذكر شيئاً عن هذه الأنواع الأدبية الأخرى غير القصص، لأنها تتصل بنفس ما اتهم به القصص من كذب وتبديل عند الذين لم يتبينوا الفرق بين الأساليب القرآنية.